أصل البدعة الجامية المدخلية هي الظنّ بأن الإمام يُطاع لذاته مهما كان فعله ، ومنشأ هذه البدعة :
بعض قدماء الشاميين من أتباع بني أمية ؛ كانوا يرون أن الإمام تجب طاعته في كل شيء , وغلوا في ذلك حتى قالوا أن الله إذا استخلف إماما تقبل منه كل الحسنات وتجاوز له عن كل السيئات , وربما قالوا : إنه لا يحاسبه الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنّة" 4/541 : "كثير من أتباع بني أمية - أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب, وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام, بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء, والله أمرهم بذلك .
وفي "المنتظم" لابن الجوزي 7/56: "أما أهل الشام فلا يعرفون إلا طاعة بني مروان" .
ومن خطب الحجاج في ذلك : "اسمعوا وأطيعوا ليس فيها مثنوية لأمير المؤمنين عبد الملك". أخرجه أبو داود 4643 .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" 13 ـ 101 قال : قرأت في “كتاب القضاء” لأبي علي الكرابيسي أنبأنا الشافعي عن عمه هو محمد بن علي قال دخل ابن شهاب على الوليد بن عبد الملك فسأله عن حديث: “إن الله إذا استرعى عبدا الخلافة كتب له الحسنات ولم يكتب له السيئات” ، فقال له : هذا كذب، ثم تلا (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض – إلى قوله – بما نسوا يوم الحساب) فقال الوليد: إن الناس ليغرّوننا عن ديننا. انتهى.
والجامية لم يصرحوا بمثل ذلك ... ولكنهم يتقاربون في النتيجة مع أولئك لاستعمالهم الظاهرية في فهم نصوص الطاعة دون تحرير لمناطها فظنوا أن الحاكم يطاع لذاته وغضوا النظر عن أفعاله مطلقا .
ونقل في "الفتح" أيضا 13 ـ 13 عن الطيبي في شرحه لحديث "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" :"في هذا الحديث أن الراعي ليس مطلوباً لذاته, وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه" وهذا المعنى متواتر عند الأئمة كالماوردي
في "الأحكام السلطانية " صـ5, وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 28/61 , 262 وابن القيم في "الطرق الحكمي" صـ217 وغيرهم ...
وهذا هو فهم السّلف ومنهجهم لا ما يدّعيه المداخلة كما قال يونس بن عبيد : "إذا خالف السلطان السنة, وقالت الرعية قد أمرنا بطاعته أسكن الله قلوبهم الشك وأورثهم التطاعن" .
وقال الشعبي: "إذا أطاع الناس سلطانهم فيما يبتدع لهم أخرج الله من قلوبهم الإيمان وأسكنها الرعب".
وقال الحسن البصري : "سيأتي أمراء يدعون الناس إلى مخالفة السنة فتطيعهم الرعية خوفاً على دنياهم, فعندها سلبهم الله الإيمان، وأورثهم الفقر ونزع منهم الصبر, ولم يأجرهم عليه" ، أخرجها جميعا ابن بطة الحنبلي في "الإبانة" صـ55 .