لكن ماذا يحدث لو نُسى الهدف؟!
إذا ما نُسى الهدف من نزول القرآن وبالتالي لم يحدث ربط الوسائل بهذا الهدف فمن المتوقع أن يتعامل الكثير مع النصوص الواردة في فضل وأهمية «الوسائل» (كفضل القراءة والترتيل والحفظ وقراءة الليل..) على أنها غايات وأهداف .
فيُصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف ومن ثم لا يُعطي اهتمامًا يُذكر للقراءة المتأنية الواعية المدركة لمعاني الآيات فضلاً عن التأثر بها وينصرف الهم كذلك إلى تحصيل أكبر قدر من الحسنات من خلال القراءة السريعة وينصرف الهم أيضًا إلى استغراق الأوقات في تعلم أحكام الترتيل والتعمق فيها والتشديد على المتعلمين في أمور قد لا تكون أساسية في الترتيل.
كل ذلك وغيره من المتوقع أن يحدث لو نُسى الهدف من نزول القرآن .
وللشيخ محمد الغزالي رحمه الله كلام دقيق يؤكد هذا المعنى فيقول: (حال المسلمين مع القرآن الكريم تستدعى الدراسة المتعمقة ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة وضبط مخارج الحروف واتقان الغُنن والمُدود وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن والحفاظ على تواتره كما جاءنا أداءً وأحكامًا - أقصد أحكام التلاوة- لكنهم بالنسبة لتعاملهم مع كتابهم صنعوا شيئًا ربما لم تصنعه الأمم الأخرى .. فإن كلمة «قرأت» عندما يسمعها الإنسان العادي أويقولها تعني أن رسالة جاءته أو كتابًا وقع بين يديه فنظر فيه وفهم المقصود منه .. فمن حيث الدلالة لا أجد فكاكًا بين الفهم والقراءة أوبين السماع والوعي أما الأمة الإسلامية فلا أدري بأية طريقة فصلت بين التلاوة وبين التدبر فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة كما يقولون وكأن ترديد الألفاظ دون حس بمعانيها ووعي لمغازيها يفيد أوهو المقصود وعندما أحاول أن أتبين الموقف في هذا التصرف أجد أنه مرفوض من الناحية الشرعية ذلك أن قوله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (ص29) ... يعني: الوعي والإدراك والتذكر والتدبر.. فأين التدبر؟ وأين التذكر مع تلك التلاوة السطحية التي ليس فيها أي إحساس بالمعنى أوإدراك للمقصد) .
إن القرآن موعظة من الله ... وهل هناك أبلغ من الموعظة الربانية ؟
إن الموعظة القرآنية تولد الشفاء للصدور والقضاء علي مافي هذه الصدور من أمراض وأدناس ليعود لها نورها ...فالقرآن يشفي الصدور والقلوب من أمراض الشهوات والشبهات وأمراض الهوي والإنحراف وأمراض الشك والشرك وأمراض القلوب والنفوس والجوارح والحواس ...وصدق الله تعالي (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارا) (الإسراء82) .
وتأمل هذه الآية القرآنية وهي تبيّن نزول القرآن على مرضى القلوب والنفوس فإذا به كأنما هو غيثٌ أومطرٌ يصيب أرضاً قاحلة فيليّن قاسيها ويفجر الخيرات منها ويجعلها تورق وتخضر وتزهر بإذن الله سبحانه وتعالى) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (يونس 57)