4- قصر وظيفة القرآن علي تحصيل الأجروالثواب :
من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح عند المسلمين قصر وظيفة القرآن على تحصيل الأجر والثواب والتبرك... فالمفهوم السائد أنه إن كان لكل حرف يقرؤه المرء من القرآن له به عشر حسنات فليقرأ إذن أكبر قدر ممكن من الحروف ليزداد رصيده من الحسنات وفي الوقت نفسه فإن تدبر القرآن والوقوف عند معانيه سيعطل مسيرته عن قراءة أكبر قدر ممكن من الآيات ومن ثمَّ يفوته الكثير من الحسنات... إذن فلنترك التدبر جانبًا لتحقيق هدف الثواب والأجر!!
بمثل هذا الفهم ابتعد الكثيرعن تدبرالقرآن وتسابقوا فيما بينهم على ختمه في أقل وقت ممكن خاصة في شهر رمضان وبالرغم من أن آيات القرآن وأحاديث الرسول تحث على التدبر والتأثر وتذم من يقرأ القرآن ولا يجاوز حنجرته إلا أن حب النفس للراحة والشعور بالرضا بعد كل إنجاز (كَمِّي) ينجزه المرء مع القرآن جعلها تستريح لمفهوم أن الهدف من قراءة القرآن هو تحصيل الأجر والثواب وأن هذا الهدف يتحقق بمجرد قراءة الألفاظ دون تفهم ولا تأثر.
فمما لا شك فيه أن الأسهل على الإنسان القراءة السريعة للقرآن والتي قد يشرد معها العقل في أودية الدنيا فيشعرالمرء بعد القراءة براحة نفسية لمجرد إنجازه كمًا كبيرًا من الأرباع والأجزاء دون مجهود يُذكر فيصبح هذا الشعور دافعًا له للإكثار من القراءة خاصة في شهر رمضان فتحول بذلك مسار التعامل مع القرآن وبدلاً من أن تكون قراءته وسيلة لفهم المقصود منه أصبحت غاية يتنافس فيها المتنافسون.
5- أمراض القلوب والإصرار علي الذنوب :
إن مما يحول بين القلب وبين الإنتفاع بالقرآن كثرة الذنوب والمعاصي حتى يقسو بها القلب ويحـرم صاحبـه من لـذة الطاعـة والمناجاة لله سبحانه بذكره وكلامه... فكلما تخفَّف العبد من المعاصي وتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات بدايةً بالفرائض ثم النوافل كان حظه من تدبر كلام الله عز وجل والتأثر به أكثر وأعظم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (ومن عقوبات المعاصي أنهـا تعمـي القلـوب فـإن لـم تعمـه أضعفت بصيرتـه ولا بـد ... قال الله تعالى ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخرف36)... فأخبر سبحانه أن من عشا عن ذكره وهو كتابه الذي أنزله على رسوله فأعرض عنه وعمي عنه وعشت بصيرته عن فهمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه قيض الله له شيطانًا عقوبة له بإعراضه عن كتابه) .
إن القلب لايمكنه أن يسمو إلي المعالي وعظيم الفضائل ويشتاق ويطمئن إلي كلام الله وهو يعيش مع الجيف والنتن وسفاسف الهمم التي تحوم عليها همم الفساق وأراذل الناس
إن القلب المشغول عن القرآن بغيره لايتأثر به لتشعبه في أودية الدنيا وغفلته عن تدبر كتاب الله... كما أن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان .. فالقلب المريض لاينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين14) .
أخي الحبيب ... إن خلو القلب من هم الدنيا وعدم التعلق بما فيها من مال أو رئاسة أو صورة والتعلق بالآخرة من أهم وسائل الإنتفاع بالقرآن وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( اعلم أن القلب إذا خلى من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مال أو رياسة أو صورة وتعلقَ بالآخرة والاهتمام بها من تحصيل العُدَّة والتأهب للقدوم على الله عز وجل فذلك أول فتوحه وتباشير فجره ..فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضى به ربه منه فيفعله ويتقرب به إليه وما يسخطه منه فيجتنبه... وهذا عنوان صدق إرادته.. فإن كل من أيقن بلقاء الله وأنه سائله عن كلمتين يُسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ لا بد أن يتنبه لطلب معرفة معبوده والطريق الموصلة إليه
يتبع بإذن الله